ذكر إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال ابن إسحاق : ولما قدم عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبي ربيعة على قريش ، ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وردهما النجاشي بما يكرهونه وأسلم عمر بن الخطاب - وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره - امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة حتى عازوا قريشا ، وكان عبد الله بن مسعود يقول ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة ، حتى أسلم عمر بن الخطاب ، فلما أسلم قاتل قريشا ، حتى صلى عند الكعبة ، وصلينا معه
وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة .
قال البكائي قال حدثني مسعر بن كدام عن سعد بن إبراهيم ، قال قال عبد الله بن مسعود : إن إسلام عمر كان فتحا ، وإن هجرته كانت نصرا ، وإن إمارته كانت رحمة ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم ، قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة ، وصلينا معه
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أمه أم عبد الله بنت أبي حثمة ، قالت
والله إنا لنترحل إلى أرض الحبشة ، وقد ذهب عامر في بعض حاجاتنا ، إذ أقبل عمر بن الخطاب ، حتى وقف علي وهو على شركه - قالت وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا ، وشدة علينا - قالت فقال إنه للانطلاق يا أم عبد الله . قالت فقلت : نعم والله لنخرجن في أرض الله آذيتمونا وقهرتمونا ، حتى يجعل الله مخرجا . قالت فقال صحبكم الله ورأيت له رقة لم أكن أراها ، ثم انصرف وقد أحزنه - فيما أرى - خروجنا . قالت فجاء عامر بحاجته تلك فقالت له يا أبا عبد الله لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا قال أطمعت في إسلامه ؟ قالت قلت : نعم قال فلا يسلم الذي رأيت ، حتى يسلم حمار الخطاب قالت يأسا منه لما كان يرى من غلظته وقسوته عن الإسلام .
قال ابن إسحاق : وكان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب ، وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وكانت قد أسلمت وأسلم بعلها سعيد بن زيد ، وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر وكان نعيم بن عبد الله النحام من مكة ، رجل من قومه من بني عدي بن كعب قد أسلم ، وكان أيضا يستخفي بإسلامه فرقا من قومه ، وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورهطا من أصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا ، وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمه حمزة بن عبد المطلب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب ، في رجال من المسلمين رضي الله عنهم ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة ، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له أين تريد يا عمر ؟ فقال أريد محمدا هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش ، وسفه أحلامها ، وعاب دينها ، وسب آلهتها ، فأقتله فقال له نعيم والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟ قال وأي أهل بيتي ؟ قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو ، وأختك : فاطمة بنت الخطاب ، فقد والله أسلما ، وتابعا محمدا على دينه فعليك بهما ، قال فرجع عمر عامدا إلى أخته وختنه وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها : " طه " يقرئهما إياها ، فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم - أو في بعض البيت وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها ، وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما ، فلما دخل قال ما هذه الهينمة التي سمعت . قالا له ما سمعت شيئا ، قال بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد ، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها ، فضربها فشجها ، فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه نعم قد أسلمنا ، وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك : فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى ، وقال لأخته أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءون آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد وكان عمر كاتبا ، فلما قال ذلك قالت له أخته إنا نخشاك عليها ، قال لا تخافي ، وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها ، فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت له يا أخي ، إنك نجس على شركك ، وإنه لا يمسها إلا الطاهر فقام عمر فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها : " طه " فقرأها ، فلما قرأ منها صدرا ، قال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه فلما سمع ذلك خباب خرج إليه فقال له يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس وهو يقول اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فالله الله يا عمر فقال له عند ذلك عمر فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم فقال له خباب هو في بيت عند الصفا ، معه فيه نفر من أصحابه فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم عمد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فضرب عليهم الباب فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر من خلل الباب فرآه متوشحا السيف فرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم وهو فزع فقال يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف فقال حمزة بن عبد المطلب : فأذن له فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له وإن كان جاء يريد شرا قتلناه بسيفه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ائذن له " ، فأذن له الرجل ونهض إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لقيه في الحجرة فأخذ حجزته أو بمجمع ردائه ثم جبذه به جبذة شديدة وقال " ما جاء بك يا بن الخطاب ؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة " ، فقال عمر يا رسول الله جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله قال فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر قد أسلم . فتفرق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكانهم وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينتصفون بهما من عدوهم فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن إسلام عمر بن الخطاب حين أسلم .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح المكي عن أصحابه عطاء ومجاهد ، أو عمن روى ذلك أن إسلام عمر فيما تحدثوا به عنه أنه كان يقول كنت للإسلام مباعدا ، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأسر بها ، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة عند دور آل عمر بن عبد بن عمران المخزومي ، قال فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك قال فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا . قال فقلت : لو أني جئت فلانا الخمار وكان بمكة يبيع الخمر لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها . قال فخرجت فجئته فلم أجده . قال فقلت : فلو أني جئت الكعبة ، فطفت بها سبعا أو سبعين . قال فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي ، وكان إذا صلى استقبل الشام ، وجعل الكعبة بينه وبين الشام ، وكان مصلاه بين الركنين الركن الأسود والركن اليماني . قال فقلت حين رأيته : والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول قال فقلت : لئن دنوت منه أستمع منه لأرو عنه فجئت من قبل الحجر ، فدخلت تحت ثيابها ، فجعلت أمشي رويدا ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة . قال فلما سمعت القرآن رق له قلبي ، فبكيت ودخلني الإسلام فلم أزل قائما في مكاني ذلك حتى قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته ثم انصرف وكان إذا انصرف خرج على دار ابن أبي حسين ، وكانت طريقه حتى يجزع المسعى ، ثم يسلك بين دار عباس بن المطلب ، وبين دار بن أزهر بن عبد عوف الزهري ، ثم على دار الأخنس بن شريق ، حتى يدخل بيته وكان مسكنه - صلى الله عليه وسلم - في الدار الرقطاء التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان . قال عمر رضي الله عنه فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار ابن أزهر ، أدركته ، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حسي عرفني ، فظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني إنما تبعته لأوذيه فنهمني ، ثم قال " ما جاء بك يا بن الخطاب هذه الساعة " ؟ قال قلت : جئت لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله قال فحمد الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال " قد هداك الله يا عمر " ، ثم مسح صدري ، ودعا لي بالثبات ثم انصرفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته
قال ابن إسحاق : والله أعلم أي ذلك كان
________________________________________
إسلام عمر وحديث خباب
فصل في حديث إسلام عمر . ذكره إلى آخره وليس فيه إشكال وكان إسلام عمر والمسلمون إذ ذاك بضعة وأربعون رجلا ، وإحدى عشرة امرأة . وفيه أن خبابا وهو ابن الأرت كان يقرئ فاطمة بنت الخطاب القرآن وخباب تميمي بالنسب وهو خزاعي بالولاء لأم أنمار بنت سباع الخزاعي وكان قد وقع عليه سباء فاشترته وأعتقته فولاؤه لها ، وكان أبوها لعوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة فهو زهري بالحلف وهو ابن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، كان قينا يعمل السيوف في الجاهلية وقد قيل إن أمه كانت أم سباع الخزاعية ، ولم يلحقه سباء ولكنه انتمى إلى حلفاء أمه بني زهرة يكنى : أبا عبد الله وقيل أبا يحيى ، وقيل أبا محمد مات بالكوفة سنة تسع وثلاثين بعدما شهد مع علي صفين والنهروان ، وقيل بل مات سنة سبع وثلاثين . ذكر أن عمر بن الخطاب سأله عما لقي في ذات الله فكشف ظهره فقال عمر ما رأيت كاليوم فقال يا أمير المؤمنين لقد أوقدت لي نار فما أطفأها إلا شحمي .
تطهير عمر ليمس القرآن
فصل وفيه ذكر تطهير عمر ليمس القرآن وقول أخته لا يمسه إلا المطهرون والمطهرون في هذه الآية هم الملائكة وهو قول مالك في الموطأ واحتج بالآية الأخرى التي في سورة عبس ولكنهم وإن كانوا الملائكة ففي وصفهم بالطهارة مقرونا بذكر المس ما يقتضي ألا يمسه إلا طاهر اقتداء بالملائكة المطهرين فقد تعلق الحكم بصفة التطهير ولكنه حكم مندوب إليه وليس محمولا على الفرض وكذلك ما كتب به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم وألا يمس القرآن إلا طاهر ليس على الفرض وإن كان الفرض فيه أبين منه في الآية لأنه جاء بلفظ النهي عن مسه على غير طهارة ولكن في كتابه إلى هرقل بهذه الآية يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة [ آل عمران : 64 ] دليل على ما قلناه وقد ذهب داود وأبو ثور وطائفة ممن سلف منهم الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان إلى إباحة مس المصحف على غير طهارة واحتجوا بما ذكرنا من كتابه إلى هرقل ، وقالوا : حديث عمرو بن حزم مرسل فلم يروه حجة والدارقطني قد أسنده من طرق حسان أفواها : رواية أبي داود الطيالسي عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه عن جده ومما يقوي أن المطهرين في الآية هم الملائكة أنه لم يقل المتطهرون وإنما قال المطهرون وفرق ما بين المتطهر والمطهر أن المتطهر من فعل الطهور وأدخل نفسه فيه كالمتفقه من يدخل نفسه في الفقه وكذلك المتفعل في أكثر الكلام وأنشد سيبويه :
وقيس عيلان ومن تقيسا
فالآدميون متطهرون إذا تطهروا ، والملائكة مطهرون خلقة والآدميات إذا تطهرن متطهرات وفي التنزيل [ البقرفإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله (البقرة اية 22 ) والحور العين مطهرات وفي التنزيل لهم فيها أزواج مطهرة [/color[color=olive]][ النساء 57 ] وهذا فرق بين وقوة لتأويل مالك رحمه الله والقول عندي في الرسول عليه السلام أنه متطهر ومطهر أما متطهر فلأنه بشر آدمي يغتسل من الجنابة ويتوضأ من الحدث وأما مطهر فلأنه قد غسل باطنه وشق عن قلبه وملئ حكمة وإيمانا فهو مطهر ومتطهر واضمم هذا الفصل إلى ما تقدم في ذكر مولده من هذا المعنى ، فإنه تكملة والحمد لله
وفي تطهر عمر قبل أن يظهر الإسلام قوة لقول ابن القاسم : إن الكافر إذا تطهر قبل أن يظهر إسلامه ويشهد الشهادتين أنه مجزئ له وقد عاب قول ابن القاسم هذا كثير من الفقهاء وكذلك في خبر إسلام سعد بن معاذ على يدي مصعب بن عمير ، وقد سأله كيف يصنع من يريد الدخول في هذا الدين فقال يتطهر ثم يشهد بشهادة الحق ففعل ذلك هو وأسيد بن حضير وحديث إسلام عمر وإن كان من أحاديث السير فقد خرجه الدارقطني في سننه غير أنه خرج أيضا من طريق أنس أن أخت عمر قالت له إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ثم أخذ الصحيفة وفيها سورة طه ، ففي هذه الرواية أنه كان وضوءا ، ولم يكن اغتسالا ، وفي رواية يونس أن عمر حين قرأ في الصحيفة سورة طه انتهى منها إلى قوله (( لتجزى كل نفس بما تسعى )) [/color[color=olive]][ طه : 15 ] فقال ما أطيب هذا الكلام وأحسنه وذكر هذا الحديث بطوله وفيه أن الصحيفة كان فيها مع سورة طه : إذا الشمس كورت وأن عمر انتهى في قراءتها إلى قوله علمت نفس ما أحضرت
زيادة في إسلام عمر
فصل وذكر ابن سنجر زيادة في إسلام عمر قال حدثنا أبو المغيرة قال نا صفوان بن عمرو ، قال حدثني شريح بن عبيد ، قال قال عمر بن الخطاب : خرجت أتعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن أسلم ، فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أتعجب من تأليف القرآن قال قلت : هذا والله شاعر كما قالت قريش ، فقرأ إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون قال قلت : كاهن علم ما في نفسي ، فقال ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون إلى آخر السورة قال فوقع الإسلام في قلبي كل موقع وقال عمر حين أسلم :
الحمد لله ذي المن الذي وجبت له علينا أياد ما لها غير
وقد بدأنا فكذبنا ، فقال لنا صدق الحديث نبي عنده الخبر
وقد ظلمت ابنة الخطاب ثم هدى ربي عشية قالوا : قد صبا عمر
وقد ندمت على ما كان من زلل بظلمها حين تتلى عندها السور
لما دعت ربها ذا العرش جاهدة والدمع من عينها عجلان يبتدر
أيقنت أن الذي تدعوه خالقها فكاد تسبقني من عبرة درر
فقلت : أشهد أن الله خالقنا وأن أحمد فينا اليوم مشتهر
نبي صدق أتى بالق من ثقة وافى الأمانة ما في عوده خور
رواه يونس عن ابن إسحاق . وذكر البزار في إسلام عمر أنه قال فلما أخذت الصحيفة فإذا فيها : بسم الله الرحمن الرحيم فجعلت أفكر من أي شيء اشتق ثم قرأت فيها : (( سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم)) أول الحديد . وجعلت أقرأ وأفكر حتى بلغت : آمنوا بالله ورسوله [/color[color=olive]][ الحديد 7 ] . فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .
من تفسير حديث إسلام عمر
فصل وفي حديث إسلام عمر قال ما هذه الهينمة والهينمة كلام لا يفهم واسم الفاعل معه مهينم كأنه بتصغير وليس بتصغير ومثله المبيطر والمهيمن والمبيقر بالقاف وهو المهاجر من بلد إلى بلد والمسيطر ولو صغرت واحدا من هذه الأسماء لحذفت الياء الزائدة كما تحذف الألف من مفاعل ، وتلحق ياء التصغير في موضعها ، فيعود اللفظ إلى ما كان فيقال في تصغير مهينم ومبيطر مهينم ومبيطر فإن قيل فهلا قلتم إنه لا يصغر إذ لا يعقل تصغير على لفظ التكبير وإلا فما الفرق ؟ فالجواب أنه قد يظهر الفرق بينهما في مواضع منها : الجمع فإنك تجمع مبيطرا : مباطر بحذف الياء وإذا كان مصغرا لا يجمع إلا بالواو والنون فتقول مبيطرون وذلك أن التصغير لا يكسر لأن تكسيره يؤدي إلى حذف الياء في الخماسي لأنها زائدة كالألف فيذهب معنى التصغير وأما الثلاثي المصغر فيؤدي تكسيره إلى تحريك ياء التصغير أو همزها ، وذلك أن يقال في فليس فلائس فيذهب أيضا معنى التصغير لتصغير لفظ الياء التي هي دالة عليه ولو بنيت اسم فاعل من بيأس لقلت فيه مبيئس ولو سهلت الهمزة حركت الياء فقلت فيه مبييس وتقول في تصغيره إذا صغرته : مبيس بالإدغام كما تقول [ في ] أبوس : أبيس ، ولا تنقل حركة الهمزة إلى الياء إذا سهلت كما تنقلها في اسم الفاعل من بيأس ونحوه إذا سهلت الهمزة وهذه مسألة من التصغير بديعة يقوم على تصحيحها البرهان .
حول النهيم وهكذا
فصل وفي حديث إسلام عمر فنهمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي زجره والنهيم زجر الأسد والنهامي الحداد والنهام طائر وفيه قول العاصي بن وائل قال هكذا [ خلوا ] عن الرجل وهي كلمة معناها : الأمر بالتنحي ، فليس يعمل فيها ما قبلها ، كما يعمل إذا قلت : اجلس هكذا ، أي على هذه الحال وإن كان لا بد من عامل فيها إذا جعلتها للأمر لأنها كاف التشبيه دخلت على ذا ، وها : تنبيه فيقدر العامل إذا مضمرا ، كأنك قلت : ارجعوا هكذا ، وتأخروا هكذا ، واستغني بقولك : هكذا عن الفعل كما استغني برويدا عن ارفق .
قال ابن إسحاق : ولما قدم عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبي ربيعة على قريش ، ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وردهما النجاشي بما يكرهونه وأسلم عمر بن الخطاب - وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره - امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة حتى عازوا قريشا ، وكان عبد الله بن مسعود يقول ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة ، حتى أسلم عمر بن الخطاب ، فلما أسلم قاتل قريشا ، حتى صلى عند الكعبة ، وصلينا معه
وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة .
قال البكائي قال حدثني مسعر بن كدام عن سعد بن إبراهيم ، قال قال عبد الله بن مسعود : إن إسلام عمر كان فتحا ، وإن هجرته كانت نصرا ، وإن إمارته كانت رحمة ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم ، قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة ، وصلينا معه
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أمه أم عبد الله بنت أبي حثمة ، قالت
والله إنا لنترحل إلى أرض الحبشة ، وقد ذهب عامر في بعض حاجاتنا ، إذ أقبل عمر بن الخطاب ، حتى وقف علي وهو على شركه - قالت وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا ، وشدة علينا - قالت فقال إنه للانطلاق يا أم عبد الله . قالت فقلت : نعم والله لنخرجن في أرض الله آذيتمونا وقهرتمونا ، حتى يجعل الله مخرجا . قالت فقال صحبكم الله ورأيت له رقة لم أكن أراها ، ثم انصرف وقد أحزنه - فيما أرى - خروجنا . قالت فجاء عامر بحاجته تلك فقالت له يا أبا عبد الله لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا قال أطمعت في إسلامه ؟ قالت قلت : نعم قال فلا يسلم الذي رأيت ، حتى يسلم حمار الخطاب قالت يأسا منه لما كان يرى من غلظته وقسوته عن الإسلام .
قال ابن إسحاق : وكان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب ، وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وكانت قد أسلمت وأسلم بعلها سعيد بن زيد ، وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر وكان نعيم بن عبد الله النحام من مكة ، رجل من قومه من بني عدي بن كعب قد أسلم ، وكان أيضا يستخفي بإسلامه فرقا من قومه ، وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورهطا من أصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا ، وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمه حمزة بن عبد المطلب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب ، في رجال من المسلمين رضي الله عنهم ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة ، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له أين تريد يا عمر ؟ فقال أريد محمدا هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش ، وسفه أحلامها ، وعاب دينها ، وسب آلهتها ، فأقتله فقال له نعيم والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟ قال وأي أهل بيتي ؟ قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو ، وأختك : فاطمة بنت الخطاب ، فقد والله أسلما ، وتابعا محمدا على دينه فعليك بهما ، قال فرجع عمر عامدا إلى أخته وختنه وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها : " طه " يقرئهما إياها ، فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم - أو في بعض البيت وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها ، وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما ، فلما دخل قال ما هذه الهينمة التي سمعت . قالا له ما سمعت شيئا ، قال بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد ، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها ، فضربها فشجها ، فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه نعم قد أسلمنا ، وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك : فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى ، وقال لأخته أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءون آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد وكان عمر كاتبا ، فلما قال ذلك قالت له أخته إنا نخشاك عليها ، قال لا تخافي ، وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها ، فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت له يا أخي ، إنك نجس على شركك ، وإنه لا يمسها إلا الطاهر فقام عمر فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها : " طه " فقرأها ، فلما قرأ منها صدرا ، قال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه فلما سمع ذلك خباب خرج إليه فقال له يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس وهو يقول اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فالله الله يا عمر فقال له عند ذلك عمر فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم فقال له خباب هو في بيت عند الصفا ، معه فيه نفر من أصحابه فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم عمد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فضرب عليهم الباب فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر من خلل الباب فرآه متوشحا السيف فرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم وهو فزع فقال يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف فقال حمزة بن عبد المطلب : فأذن له فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له وإن كان جاء يريد شرا قتلناه بسيفه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ائذن له " ، فأذن له الرجل ونهض إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لقيه في الحجرة فأخذ حجزته أو بمجمع ردائه ثم جبذه به جبذة شديدة وقال " ما جاء بك يا بن الخطاب ؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة " ، فقال عمر يا رسول الله جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله قال فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر قد أسلم . فتفرق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكانهم وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينتصفون بهما من عدوهم فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن إسلام عمر بن الخطاب حين أسلم .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح المكي عن أصحابه عطاء ومجاهد ، أو عمن روى ذلك أن إسلام عمر فيما تحدثوا به عنه أنه كان يقول كنت للإسلام مباعدا ، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأسر بها ، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة عند دور آل عمر بن عبد بن عمران المخزومي ، قال فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك قال فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا . قال فقلت : لو أني جئت فلانا الخمار وكان بمكة يبيع الخمر لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها . قال فخرجت فجئته فلم أجده . قال فقلت : فلو أني جئت الكعبة ، فطفت بها سبعا أو سبعين . قال فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي ، وكان إذا صلى استقبل الشام ، وجعل الكعبة بينه وبين الشام ، وكان مصلاه بين الركنين الركن الأسود والركن اليماني . قال فقلت حين رأيته : والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول قال فقلت : لئن دنوت منه أستمع منه لأرو عنه فجئت من قبل الحجر ، فدخلت تحت ثيابها ، فجعلت أمشي رويدا ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة . قال فلما سمعت القرآن رق له قلبي ، فبكيت ودخلني الإسلام فلم أزل قائما في مكاني ذلك حتى قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته ثم انصرف وكان إذا انصرف خرج على دار ابن أبي حسين ، وكانت طريقه حتى يجزع المسعى ، ثم يسلك بين دار عباس بن المطلب ، وبين دار بن أزهر بن عبد عوف الزهري ، ثم على دار الأخنس بن شريق ، حتى يدخل بيته وكان مسكنه - صلى الله عليه وسلم - في الدار الرقطاء التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان . قال عمر رضي الله عنه فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار ابن أزهر ، أدركته ، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حسي عرفني ، فظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني إنما تبعته لأوذيه فنهمني ، ثم قال " ما جاء بك يا بن الخطاب هذه الساعة " ؟ قال قلت : جئت لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله قال فحمد الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال " قد هداك الله يا عمر " ، ثم مسح صدري ، ودعا لي بالثبات ثم انصرفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته
قال ابن إسحاق : والله أعلم أي ذلك كان
________________________________________
إسلام عمر وحديث خباب
فصل في حديث إسلام عمر . ذكره إلى آخره وليس فيه إشكال وكان إسلام عمر والمسلمون إذ ذاك بضعة وأربعون رجلا ، وإحدى عشرة امرأة . وفيه أن خبابا وهو ابن الأرت كان يقرئ فاطمة بنت الخطاب القرآن وخباب تميمي بالنسب وهو خزاعي بالولاء لأم أنمار بنت سباع الخزاعي وكان قد وقع عليه سباء فاشترته وأعتقته فولاؤه لها ، وكان أبوها لعوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة فهو زهري بالحلف وهو ابن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، كان قينا يعمل السيوف في الجاهلية وقد قيل إن أمه كانت أم سباع الخزاعية ، ولم يلحقه سباء ولكنه انتمى إلى حلفاء أمه بني زهرة يكنى : أبا عبد الله وقيل أبا يحيى ، وقيل أبا محمد مات بالكوفة سنة تسع وثلاثين بعدما شهد مع علي صفين والنهروان ، وقيل بل مات سنة سبع وثلاثين . ذكر أن عمر بن الخطاب سأله عما لقي في ذات الله فكشف ظهره فقال عمر ما رأيت كاليوم فقال يا أمير المؤمنين لقد أوقدت لي نار فما أطفأها إلا شحمي .
تطهير عمر ليمس القرآن
فصل وفيه ذكر تطهير عمر ليمس القرآن وقول أخته لا يمسه إلا المطهرون والمطهرون في هذه الآية هم الملائكة وهو قول مالك في الموطأ واحتج بالآية الأخرى التي في سورة عبس ولكنهم وإن كانوا الملائكة ففي وصفهم بالطهارة مقرونا بذكر المس ما يقتضي ألا يمسه إلا طاهر اقتداء بالملائكة المطهرين فقد تعلق الحكم بصفة التطهير ولكنه حكم مندوب إليه وليس محمولا على الفرض وكذلك ما كتب به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم وألا يمس القرآن إلا طاهر ليس على الفرض وإن كان الفرض فيه أبين منه في الآية لأنه جاء بلفظ النهي عن مسه على غير طهارة ولكن في كتابه إلى هرقل بهذه الآية يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة [ آل عمران : 64 ] دليل على ما قلناه وقد ذهب داود وأبو ثور وطائفة ممن سلف منهم الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان إلى إباحة مس المصحف على غير طهارة واحتجوا بما ذكرنا من كتابه إلى هرقل ، وقالوا : حديث عمرو بن حزم مرسل فلم يروه حجة والدارقطني قد أسنده من طرق حسان أفواها : رواية أبي داود الطيالسي عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه عن جده ومما يقوي أن المطهرين في الآية هم الملائكة أنه لم يقل المتطهرون وإنما قال المطهرون وفرق ما بين المتطهر والمطهر أن المتطهر من فعل الطهور وأدخل نفسه فيه كالمتفقه من يدخل نفسه في الفقه وكذلك المتفعل في أكثر الكلام وأنشد سيبويه :
وقيس عيلان ومن تقيسا
فالآدميون متطهرون إذا تطهروا ، والملائكة مطهرون خلقة والآدميات إذا تطهرن متطهرات وفي التنزيل [ البقرفإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله (البقرة اية 22 ) والحور العين مطهرات وفي التنزيل لهم فيها أزواج مطهرة [/color[color=olive]][ النساء 57 ] وهذا فرق بين وقوة لتأويل مالك رحمه الله والقول عندي في الرسول عليه السلام أنه متطهر ومطهر أما متطهر فلأنه بشر آدمي يغتسل من الجنابة ويتوضأ من الحدث وأما مطهر فلأنه قد غسل باطنه وشق عن قلبه وملئ حكمة وإيمانا فهو مطهر ومتطهر واضمم هذا الفصل إلى ما تقدم في ذكر مولده من هذا المعنى ، فإنه تكملة والحمد لله
وفي تطهر عمر قبل أن يظهر الإسلام قوة لقول ابن القاسم : إن الكافر إذا تطهر قبل أن يظهر إسلامه ويشهد الشهادتين أنه مجزئ له وقد عاب قول ابن القاسم هذا كثير من الفقهاء وكذلك في خبر إسلام سعد بن معاذ على يدي مصعب بن عمير ، وقد سأله كيف يصنع من يريد الدخول في هذا الدين فقال يتطهر ثم يشهد بشهادة الحق ففعل ذلك هو وأسيد بن حضير وحديث إسلام عمر وإن كان من أحاديث السير فقد خرجه الدارقطني في سننه غير أنه خرج أيضا من طريق أنس أن أخت عمر قالت له إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ثم أخذ الصحيفة وفيها سورة طه ، ففي هذه الرواية أنه كان وضوءا ، ولم يكن اغتسالا ، وفي رواية يونس أن عمر حين قرأ في الصحيفة سورة طه انتهى منها إلى قوله (( لتجزى كل نفس بما تسعى )) [/color[color=olive]][ طه : 15 ] فقال ما أطيب هذا الكلام وأحسنه وذكر هذا الحديث بطوله وفيه أن الصحيفة كان فيها مع سورة طه : إذا الشمس كورت وأن عمر انتهى في قراءتها إلى قوله علمت نفس ما أحضرت
زيادة في إسلام عمر
فصل وذكر ابن سنجر زيادة في إسلام عمر قال حدثنا أبو المغيرة قال نا صفوان بن عمرو ، قال حدثني شريح بن عبيد ، قال قال عمر بن الخطاب : خرجت أتعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن أسلم ، فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أتعجب من تأليف القرآن قال قلت : هذا والله شاعر كما قالت قريش ، فقرأ إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون قال قلت : كاهن علم ما في نفسي ، فقال ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون إلى آخر السورة قال فوقع الإسلام في قلبي كل موقع وقال عمر حين أسلم :
الحمد لله ذي المن الذي وجبت له علينا أياد ما لها غير
وقد بدأنا فكذبنا ، فقال لنا صدق الحديث نبي عنده الخبر
وقد ظلمت ابنة الخطاب ثم هدى ربي عشية قالوا : قد صبا عمر
وقد ندمت على ما كان من زلل بظلمها حين تتلى عندها السور
لما دعت ربها ذا العرش جاهدة والدمع من عينها عجلان يبتدر
أيقنت أن الذي تدعوه خالقها فكاد تسبقني من عبرة درر
فقلت : أشهد أن الله خالقنا وأن أحمد فينا اليوم مشتهر
نبي صدق أتى بالق من ثقة وافى الأمانة ما في عوده خور
رواه يونس عن ابن إسحاق . وذكر البزار في إسلام عمر أنه قال فلما أخذت الصحيفة فإذا فيها : بسم الله الرحمن الرحيم فجعلت أفكر من أي شيء اشتق ثم قرأت فيها : (( سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم)) أول الحديد . وجعلت أقرأ وأفكر حتى بلغت : آمنوا بالله ورسوله [/color[color=olive]][ الحديد 7 ] . فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .
من تفسير حديث إسلام عمر
فصل وفي حديث إسلام عمر قال ما هذه الهينمة والهينمة كلام لا يفهم واسم الفاعل معه مهينم كأنه بتصغير وليس بتصغير ومثله المبيطر والمهيمن والمبيقر بالقاف وهو المهاجر من بلد إلى بلد والمسيطر ولو صغرت واحدا من هذه الأسماء لحذفت الياء الزائدة كما تحذف الألف من مفاعل ، وتلحق ياء التصغير في موضعها ، فيعود اللفظ إلى ما كان فيقال في تصغير مهينم ومبيطر مهينم ومبيطر فإن قيل فهلا قلتم إنه لا يصغر إذ لا يعقل تصغير على لفظ التكبير وإلا فما الفرق ؟ فالجواب أنه قد يظهر الفرق بينهما في مواضع منها : الجمع فإنك تجمع مبيطرا : مباطر بحذف الياء وإذا كان مصغرا لا يجمع إلا بالواو والنون فتقول مبيطرون وذلك أن التصغير لا يكسر لأن تكسيره يؤدي إلى حذف الياء في الخماسي لأنها زائدة كالألف فيذهب معنى التصغير وأما الثلاثي المصغر فيؤدي تكسيره إلى تحريك ياء التصغير أو همزها ، وذلك أن يقال في فليس فلائس فيذهب أيضا معنى التصغير لتصغير لفظ الياء التي هي دالة عليه ولو بنيت اسم فاعل من بيأس لقلت فيه مبيئس ولو سهلت الهمزة حركت الياء فقلت فيه مبييس وتقول في تصغيره إذا صغرته : مبيس بالإدغام كما تقول [ في ] أبوس : أبيس ، ولا تنقل حركة الهمزة إلى الياء إذا سهلت كما تنقلها في اسم الفاعل من بيأس ونحوه إذا سهلت الهمزة وهذه مسألة من التصغير بديعة يقوم على تصحيحها البرهان .
حول النهيم وهكذا
فصل وفي حديث إسلام عمر فنهمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي زجره والنهيم زجر الأسد والنهامي الحداد والنهام طائر وفيه قول العاصي بن وائل قال هكذا [ خلوا ] عن الرجل وهي كلمة معناها : الأمر بالتنحي ، فليس يعمل فيها ما قبلها ، كما يعمل إذا قلت : اجلس هكذا ، أي على هذه الحال وإن كان لا بد من عامل فيها إذا جعلتها للأمر لأنها كاف التشبيه دخلت على ذا ، وها : تنبيه فيقدر العامل إذا مضمرا ، كأنك قلت : ارجعوا هكذا ، وتأخروا هكذا ، واستغني بقولك : هكذا عن الفعل كما استغني برويدا عن ارفق .