قال الله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}
لقد اعتقد الإنسان قديماً بخرافات عديدة عن البحار
والمحيطات، ولم تتوفر للبحارة آنذاك معرفة علمية حقيقية عن الأحوال السائدة في
أعماق البحار حيث كانت المعلومات عن التيارات البحرية نادرة.
وهذا ما حدا بالخرافات إلى الإحاطة بالبحار الراكدة التي لا يمكن أن تعبرها
البواخر، حيث اعتقد الرومان القدماء بوجود أسماك مصاصة لها تأثيرات سحرية على
إيقاف حركة السفن، ورغم أن القدماء كانوا على علم بأن الرياح تؤثر على
الأمواج والتيارات السطحية إلا أنه كان من الصعوبة بمكان معرفة شيء عن الحركات
الداخلية في البحار.
ويبين تاريخ العلوم أن الدراسات المتصلة بعلوم البحار وأعماقها لم تبدأ إلا في
بداية القرن الثامن عشر عندما اخترعت الأجهزة المناسبة لمثل هذه الدراسات
الدقيقة
ومع نهاية القرن التاسع عشر تم استخدام الوسائل التصويرية التي تم تطويرها خلال
الثلاثينات من القرن العشرين، حيث استعملت الخلايا الكهروضوئية.
ضوء الشمس.
- تمتص مياه البحار ألوان الطيف الضوئي تدريجياً كلما زادت هذه
الألوان تعمقاً، فتنشأ مستويات من الظلمات داخل هذه البحار ويشتد الظلام بعد
عمق 1000 متر حتى إذا أخرج الإنسان يده لم يراها.
- كشفت علوم البحار الحديثة عن وجود أمواج عاتية في البحار العميقة.
- استطاع العلماء من مشاهدة الأسماك في البحار العميقة على عمق يتراوح بين (600
م – 2700 م) والتي تستخدم أعضاء مضيئة لترى في الظلام وتلتقط فريستها.
التفسير العلمي:
كشفت علوم البحار الحديثة في النصف الثاني من القرن العشرين
عن أسرار مدهشة في أعماق البحار والمحيطات، وسنقتصر هنا على ذكر ظاهرتين هما:
ظلمات البحر العميقة وحركة الأمواج الداخلية.
- الظاهرة الأولى: ظلمات البحر العميقة:
غالباً ما تكون البحار والمحيطات مغطاة بسحب ركامية كثيفة تحجب
قسماً كبيراً من ضوء الشمس، كما يظهر في أكثر صور الأقمار الاصطناعية، فتعكس هذه
الغيوم كمية كبيرة من أشعة الشمس وتحجب قسماً كبيراً من ضوئها، وأما الضوء
الباقي فيعكس الماء قسماً منه، ويمتص القسم الآخر، الذي يتناقص تناقصاً رأسياً مع
تزايد عمق المياه.
وهذا ما أشارت إليه الموسوعة البريطانية.
هذه الحقائق العلمية المدهشة ذكرها القرآن الكريم الذي أنزل على عرب في الصحراء
لا يعرفون السباحة ولا خوض البحار والمحيطات، حيث جاء في الآية الأربعين من سورة
النور قول الله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ
فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ
لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}،فهذه الآية
تتطابق مع تلك الحقائق، إذ قررت أن البحار العميقة غالباً ما تعلوها السحب،
وفي قوله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ} تدل
على انعدام الرؤية ويؤكد ذلك أيضاً قوله تعالى: {فِي بَحْرٍ
لُجِّيٍّ} فاللجي هو الشديد الظلمة والعمق، والأسماك في
ذاك العمق ليس لها عيون بل إنها مجهزة بنور بيولوجي كما ورد في الموسوعةالبريطانية
وهذا وجه قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ
مِنْ نُورٍ} فهذه الأسماك قادرة على استبيان طريقها ومعرفته
من خلال أعضاء منيرة خلقها الله تعالى في جسمها.
وقاع البحر المنحدر يتغير لونه بصورة تدريجية إلى الأزرق حتى يختفي تماماً مع تزايد
العمق، كما أن نفاذ ألوان طيف الضوء إلى البحار تتناسب عكسياً مع ازدياد
العمق، فكلما زاد العمق نشأت ظلمة حالت دون رؤية بعض ألوان الطيف الضوئي.
ولذلك قال الله تعالى {َظُلُمَات} ولم يقل
(ظلمة) وقال:
{ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}.
- الظاهرة الثانية: حركة الأمواج الداخلية.
إن صورة طبقات الأمواج التي تعلو إحداها الأخرى على سطح
البحرتأخذ بالعقول، وهذه الظاهرة للأمواج معروفة تماماً لدى البحارة
والصيادين، ولكن الشيء الأشد غرابة الذي لم يعرفه الإنسان إلا قبل مائة سنة
فقط، هو تلك الأمواج الداخلية الموجودة في أعماق البحار، والتي تتولد على
امتداد السطح الفاصل بين طبقتين من المياه المختلفة من حيث الكثافة والضغط
والحرارة والمد والجزر وتأثير الرياح. والاختلاف في كثافة المحيط المفتوح أقل منه في
المناطق الساحلية التي تصب فيها المياه العذبة من أنهار وجداول وغيرها. ويتشكل
السطح الفاصل بين الكثافات المختلفة عند منطقة الهبوط الحراري الرئيسي فيفصل
مياه السطح الدافئة عن مياه الأعماق الباردة. وقد يتراوح سمك طبقة المياه
الدافئة من بضع عشرات إلى مئات من الأمتار.
وهذه الأمواج التي تتشكل على هذا السطح الفاصل بين الطبقتين المائيتين المختلفتين في
الكثافة والملوحة والحرارة، تشبه الموجات السطحية، ولكن لا يمكن أن تشاهد بسهولة
من فوق سطح الماء، وتستهلك عملية تكونها جزءاً كبيراً من الطاقة التي كان يمكن
استخدامها لدفع سفينة ما إلى الأمام.
. وقد قال عز وجل: { فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ
مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} والمعنى أن الموج يغشى البحر اللجي وهذا
ما أكده علماء البحار حيث قالوا بأن البحر اللجي العميق يختلف عن البحر
السطحي وأن الأمواج الداخلية لا تتكون إلا في منطقة الانفصال بين البحر السطحي
والبحر العميق. ولهذه الأمواج الداخلية أنواع مختلفة أهمها ما ينشأ في المضايق
والقنوات، فمثلاً عند مضيق جبل طارق، يتسبب التدفق الداخلي للتيار السطحي
القوي، والتدفق الخارجي للتيار السفلي، في دخول الأمواج الداخلية من المحيط
الأطلسي إلى المضيق، كأنها أمواج متكسرة، مثل الأمواج المزبدة على الشاطىء، مما
يتسبب في قدر كبير من الاضطرابات الداخلية.
إذن: هناك سحاب وهناك موج سطحي وأمواج داخلية، فإذا سقط الشعاع الضوئي من
الشمس، فإن السحاب يمتص بعضه فتحدث ظلمة، فإذا سقط على الموج السطحي عكس هذا
الموج بعضه أيضاً، فإذا نزل الشعاع إلى الموج الداخلي انعكس وحدثت ظلمة، ثم إن
كثافة الماء العميق تمتص ما بقي من أشعة الشمس على عمق 1000
مترٍ، فيتم الظلام في هذه المنطقة أي في البحر اللجي العميق
{ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}.
وجهالإعجاز:
تصريحهابوجودظلماتفيأعماقالبحارمتراكمةفوقبعضه البعض، ووجود أمواج داخلية في
البحار والمحيطات العميقة والتي غالباً ما تغطي هذه البحار والمحيطات سحب ركامية
تحجب قدراً مهماً من أشعة الشمس، وهذا ما كشفت عنه دراسات علماء البحار في
أواخر القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
استنتاج
من خلال ما سبق ستنتج ما يلي
1/ ان الظلمة الاولى تسببها السحب**
فتواجد نطاق الازون يجعل مصير اغلب الاشعة فوق البنفسجية الانعكاس
في حين تصل بقية الاشعة الشمسية والمتكونة اساسا من الموجات الكهرومغناطيسية
ابتداء من الاشعة الرديوية الي الاشعة السينية و كل من الاشعة تحت الحمراء و
الالكترونات الى الجزء السفلي من الغلاف الغازي للارض فتعكس السحب و تشتت
30 0/0 منها وتمتص السحب وما بها من بخار
الماء وجزيئات الهواء وهباءات الغبار وغيرها من نوي التكثيف الأخري حوالي [color:558b=orange
]19% من تلك الأشعة الشمسية المارة من خلالها, تحجب السحب
بالانعكاس والتشتيت والامتصاص حوالي 49% من أشعة الشمس, فتحدث قدرا من الظلمة النسبية
2/ الأمواج السطحية في البحار والمحيطات
تسبب الظلمة الثانيةفعند وصول ما تبقي من أشعة الشمس
إلي أسطح البحار والمحيطات فإن حوالي35% من الأشعة تحت الحمراء فيها تستهلك في تبخير
الماء, وتكوين السحب, وفي عمليات التمثيل الضوئي. التي تقوم بها النباتات
البحرية.
أما ما يصل إلي سطح البحار والمحيطات مما تبقي من الأشعة المرئية( أو الضوء
الأبيض). فان الأمواج السطحية للبحار تعكس 5% أخري منها, فتحدث قدرا أخر من الظلمة النسبية في البحار والمحيطات.
3/ ان الأمواج الداخلية هي سبب
الظلمة الثالثة فوق قيعان البحار العميقة
فبالاضافة إلي تحلل الضوء الأبيض عند مروره في ماء البحار والمحيطات
فإن السبب الرئيسي في إحداث الإظلام التام فوق قيعان البحار اللجية( أي
الغزيرة الماء
لعمقها حتي لايكاد يدرك لها قاع, والمتلاطمة الأمواج لقول العرب( إلتج البحر) أي:
تلاطمت أمواجه) هي الأمواج الداخلية في تلك البحار العميقة وغير المتجانسة.
وتتكون هذه الأمواج الداخلية بين كتل الماء ذات الكثافات المختلفة, وتختلف كثافة
الماء في البحار العميقة والمحيطات باختلاف كل من درجة حرارته, ونسبة الأملاح
المذابة فيه, وتتمايز كتل الماء في تلك المسطحات المائية الكبيرة أفقيا بتمايز
مناطقها المناخية, ورأسيا بتمايز كثافتها. وتتحرك التيارات المائية أفقيا بين
مساحات شاسعة من خطوط العرض فتكتسب صفات طبيعية جديدة من درجات الحرارة
والملوحة بسبب تغير معدلات التسخين أو التبريد, ومعدلات البخر أو سقوط الأمطار, مما
يضطرها إلي التحرك رأسيا كذلك.
وتمايز الماء في البحار العميقة والمحيطات إلي كتل سطحية, وكتل متوسطة, وكتل شبه
قطبية, وكتل حول قطبية ولايتمايز الماء إلي تلك الكتل إلا في البحار شديدة
العمق, ومن هنا فإن الأمواج الداخلية لاتتكون إلا في مثل تلك البحار العميقة,
ومن هنا أيضا كان التحديد القرآني بالوصف بحر لجي إعجازا غير مسبوق.
وتتكون الأمواج الداخلية عند الحدود الفاصلة بين كل كتلتين مائيتين مختلفتين في
الكثافة, وهي أمواج ذات أطوال وارتفاعات تفوق أطوال وارتفاعات الأمواج
السطحية بمعدلات كبيرة, حيث تتراوح أطوالها بين عشرات ومئات الكيلومترات, وتصل
سعتها( أي ارتفاع الموجة) إلي مائتي متر, وتتحرك بسرعات تتراوح بين
100,5 سنتيمتر في الثانية لمدد تتراوح بين
أربع دقائق وخمس وعشرين ساعة.
وعلي الرغم من ذلك فهي أمواج لايمكن رؤيتها بطريقة مباشرة, وإن أمكن إدراك
حركتها بأجهزة ميكانيكيةوذلك بواسطة عدد من القياسات للاضطرابات التي تحدثها
تلك الأمواج الداخلية, وهذا ايضا مما يجعل الاشارة القرآنية إليها إعجازا
لاينكره إلا جاحد.
كذلك يبدأ تكون الأمواج الداخلية علي عمق 40 مترا تقريبا من مستوي سطح الماء في المحيطات حيث تبدأ صفات الماء
فجأة في التغير من حيث كثافتها ودرجة حرارتها, وقد تتكرر علي أعماق أخري كلما
تكرر التباين بين كتل الماء في الكثافة.