كان هذا عنوان محاضرة لأستاذنا الحبيب الذي كنا نتزاحم على محاضراته ونحبه لأنه ظريف يدرس وكأنه يحكي، ويقص علينا القصص العلمي, وييسر العلوم المعقدة بطريقة العالم المتقن الفاهم والوالد الحنون.
لا أنسى منظره في بسطة جسمه ونضارة وجهه وبسمته الجميلة، وهو يقص علينا قصة النبات الذي يخدع الإنسان ثم يفترسة ويقول : يصدر النبات صوت أنين خافت وحزين وكأن إنساناً في النزع الأخير يئن ويبكي، يجري الإنسان نحو الأنين، يفتش عن صاحب الأنين ولكن لا يجده، مازال صوت الأنين مستمراً، يقترب الإنسان نحو مصدر الصوت بهدوء، إنه قريب منه يئن، يصدر الصوت من تلك الشجرة الضخمة، يقترب منها يضع أذنيه ليسمع الصوت، وفجأة ينغلق عليه الباب وهو بداخله كما يفعل المصعد الكهربائي مع الصاعد المتسرع، يفاجأ الإنسان بالمشهد المرعب والعجيب، يصرخ ولكن لا مجيب، فقد أغلقت عليه الشجرة أبوابها وأنزلت عليه الأحماض منهمرة لتشل حركته، تحتضنه الشجرة حضن الموت إلى أن تطمئن لموته، وتبدأ في تحليل جسمه ثم التغذى عليه، وبعد مدة تفتح الباب وتلقي بهيكله العظمي المفتت خارج ساقها القاتل، هكذا قال لنا أستاذنا الدكتور محمد كامل عبد المجيد طلبه، رئيس قسم الأحياء في كلية المعلمين (تربية عين شمس لاحقاً) بعدما كتب على السبورة بخطه الجميل : احترس000 نبات مفترس !!، ونحن في ذهول من العنوان العجيب، والوصف الأدبي الرائع لهذا الرجل العبقري .
وتدور الأيام وأضع صورة لضفدع قد افترسه نبات الديونيا وأكتب أسفل الصورة: عندما يفترس نبات الديونيا(Dionaea)تلك الضفدعة القافزة، فإنه يفرز عليها ثجاجاً من الأنزيمات القاتلة والمحللة، فتبدأ الضفدعة بالاستسلام والموت, ثم التحلل، وتدخل بعض مكوناتها الغذائية إلى خلايا النبات، متحولة إلى مركبات حيوية، وما ينتج عن هذه العملية من مركبات إخراجية يخرجها النبات خارج خلاياه.
وتسمى هذه العملية بالأيض (Metabolism)المشتمل على عمليتي البناء والهدم، ففي عملية البناء( Anabolism) يحول الكائن الحي المواد الغذائية إلى مكونات خلوية حية وحيوية ضرورية لنمو الكائن الحي واستمرار حياته.
أما في عملية الهدم (Catabolism)فتتحلل بعض مكونات الخلية الحية، وتخرج نواتج ذلك إلى خارج الخلية، أو تُبعد عن عمليات البناء فيها، أو تُعاد إليها مرة أخرى.
وتعمل عمليات البناء والهدم في اتزان إلهي عجيب، يحفظ على الكائن الحي حياته والاستمرار فيها، وعندما يختل هذا الاتزان الحيوي، فإن الكائن الحي يسير في طريق المرض أو الموت والفناء.
وهذه العمليات هي موضوع دراستنا في مساقي الأيض والاتزان حيا (212) وحيا(213) بإذن الله . هذا ماكتبته على الصفحة الأخيرة لكتاب الأيض والاتزان [1] للمرحلة الثانوية في مملكة البحرين [2].
وأظنني في هذا الكلامقد تأثرت بأستاذنا الدكتور محمد كامل عبد المجيد طلبه رحمه الله، وأغرب مافي الأمر أن البعض اتهم هذه الصورة للنبات والضفدع أنها مركبة، إذ كيف يتسنى لهذا النبات الضعيف أن يفترس تلك الضفدعة القوية ؟! ولكن هذه هي الحقيقة فالنبات هنا يفترس الحيوان ليتغذى على لحمه.
والنباتات المفترسة أو اللاحمه مجموعة من النباتات موطنها الأصلي جزيرة مدغشقر وأواسط آسيا واستراليا، وبعضها يباع في محلات بيع النبات والأزهار في البحرين والخليج العربي، وهي نباتات مستوردة من موطنها الأصلي أتت إلينا مع كل شيء مستورد في حياتنا، وقد أدى انتشار البرامج العلمية في بعض المحطات الفضائية إلى عرض أفلام رائعة عن تلك النباتات، ولكن يعاب على هذه البرامج أن الذين أعدوها يقيمون تصوراتهم لنشأة الحياة بأنها نشأت بالصدفة والعشوائية، لذلك يسندون كل فعل حيوي إلى الكائن الحي، وأنه طور نفسه للحياة الجديدة, من هنا رأينا أن نعيد كتابة هذه الموضوعات على أساس من عقيدتنا في الخلْق ونشأة الحياة[3].
والافتراس كما نعلم هو علاقة حيوية يجهز فيها كائن حي (مفترس) على كائن حي آخر (فريسه) ويتغذى عليه. ونحن تعودنا أن نرى الحيوان يفترس الحيوان أو الإنسان، ولكن ليس من الشائع أن نرى النبات يفترس الانسان ويقتنصه، وتعودنا أن نرى الانسان يقتنص الحيوان، والحيوان يقتنص الحيوان والانسان بآليات مختلفة، ولكن لم نتعود أن نرى النبات يقتنص الحيوان أو الانسان.
ومن العجيب أن ورقة النبات الرقيقة اللطيفة الجميلة في النبات قد هيأها الله سبحانه وتعالى مرة لتكون زهرة جميلة مختلفة الشكال والألوان[4], ويحولها مرة إلى شوكة قوية تدافع عن النبات، وإلى معلاق Tendrilيتعلق به النبات على النبات والجدران، ومرة إلى مخزن لتخزين الغذاء، وأخرى إلى معدة وجهاز قنص يقتنص ويتغذى به النبات على الحيوان، علاوة على وظيفتها المعتادة في القيام بعملية البناء الضوئيPhotosynthess بتثبيت الطاقة الضوئية، وشطر ثاني أكسيد الكربون وتثبيت كربونه، وشطر الماء وتثبيت هيدروجينه وانطلاق أكسجينه، فسبحان الخالق القادر (قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) [طه50 ].
وهذه المجموعة النباتية المفترسة تعيش في بيئات فقيرة في النيتروجين الضروري لبناء سيتوبلازمها وبروتينها، وأنزيماتها، وأغشيتها, وعضيتها, ولكن الرزاق لم ينساها, وساق إليها رزقها النيتروجيني في هذا الحيوان الذي تقتنصه وتتغذى عليه .
من هذه النباتات المفترسة :
نبات القدر أو الجرة (Nepenthes):
ويسميه البعض بنبات السلوى لاحتوائه على السوائل السكرية[5]، وفيه تتحور الورقة إلى شكل جرة أو قدر له غطاء عمقه 30سم في بعض الأنواع وعرضه 12سم بحيث يسمح بدخول الحشرات الكبيرة، وبعض الطيور الصغيرة والزواحف، وللنبات ألوان زاهية, وروائحة زكية وبداخله سائل، وكل الطرق والتراكيب تهيأت لإغراء الفريسه واقتناصها، فقمة القدر متدحرجة إلى الداخل وكل شئ يسمح بالمرور في اتجاه الداخل، ويحول دون المرور للخارج، والجدار الداخلية مغطاه بزوائد وحراشيف زلقة شمعية الملمس، وبعض الزوائد المتدلاة للداخل كالحبال الهابطة إلى الوادي من أعلى الجبل، وفي قاع القدر بعض الماء المتجمع من افرازات الورقة وماء المطر، والمخلوط بالإنزيمات الهاضمة للبروتين، والكاوية للفريسة التي تفرزها مجموعة كبيرة من الغدد الداخلية عددها ستة آلاف غدة في كل سنتيمتر مربع، وبعد سقوط الفريسة في السائل ينغلق الغطاء عليها وتبدأ عملية القتل والهضم والامتصاص والتمثيل الغذائي للفريسه .
أما نبات الفخ أو الديونيا ( Dionaea):
فقد تحور نصل الورقة إلى صمامين متمفصلين عند العرق الوسطي، وفي حوافهما أشواك متبادلة الوضع في الصمامين، وعلى السطح العلوي للورقة زوائد استشعار باللمس، فعندما تلمس الفريسة، سواء أكانت حشرة أو ضفدعة، أو عصفور صغير, أو زاحف أصغر ينطبق المفصلان في سرعة خاطفة على الفريسة كما ينطبق الفخ الحديدي الذي يضعه الصياد للطيور والحيوانات، وبذلك تقتنص الورقة الفريسة وتحبسها في الفخ وتمنعها من الهرب والحركة، ثم تغرقها بالإنزيمات والسوائل الحارقة فتقتلها وتحللها, ثم تمتص عصارتها المهضومة والمتحللة، وبعد تمام امتصاص العصارة تفتح الورقة مصراعيها ملقية بالفضلات أسفل النبات، حيث تجد البكتيريا المحللة والفطريات الهاضمة رزقها فيه, وهكذا تعاد دورة الغذاء بافتراس حيوان جديد .
صورة لنبات الديونيا Dionaea
والغريب في الأمر أن النبات يستطيع تمييز الفريسة الصالحة للهضم والامتصاص بأنزيماته الخاصة عن الفريسة غير القابلة للهضم والامتصاص، فيمسك القابلة، ويطرد غير القابلة قبل أن تموت أو يفرز عليها العصارات الهاضمة .
ولا يكتفي النبات بالمصائدالهوائية السابقة بل هناك المصائد المائية التي تصطاد الحيوانات السابحة في الماء في أكياس مثانية ( Bladders)ولكل مصيدة مثانية فتحة البواب المزودة بالملامس الاستشعارية، وعندما يلامس الحيوان تلك الملامس الاستشعارية يفتح الباب للداخل فيندفع الماء حاملاً الفريسة إلى داخل المثانة, حيث تحجز إلى أن يتم قتلها في هذا الجُب العميق وتحليلها وامتصاص عصارتها المهضومة .
ولقد حاول باحثوا نظرية التطورالبحث في هذه النباتات المفترسة عن مبررات لتطويرها ونشأتها بالصدفة والعشوائية والطفرة والانتخاب الطبيعي، ولكن جاءت محاولاتهم غير علمية ولاتصمد أمام الحقائق الكونية .
فمن حورهذه الورقة من ورقة إلى ومصيدة، وجهاز تحليل وهضم وامتصاص ( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين)لقمان
من أعلم هذه النباتات أنها تحتاج إلى النتروجين وانها في بيئة فقيرة فيه ؟! هل لها عقل يفكر، هل عندها تفكير مدبر؟!
ومن انبأهاأن هذه الحيوانات تحتوي النيتروجين الذي تفتقده في غذائها، وأنها ستموت ان لم تحصل على هذا النيتروجين؟
من أعطاها هذه الآليات المعجزة للاحساس والامساك والهضم والامتصاص؟!
ومن زودها بالإنزيمات الهاضمة للبروتين، وكل النباتات تحصل على نيتروجينها من البيئة الأرضية، فمن حول هذه النباتات إلى المصادر النتروجينية الحيوانية الحية ؟!
يقولون الصدفة؟
الصدفةتوقع الحيوان في ورقة النبات، ولكن لاتهيء النبات للامساك بالحيوان, ولاتهيء الجهاز الانزيمي للنبات لهضم الحيوان.
لو أراد الانسان تخليق انزيم لهضم البروتين لاحتاج للخبراء والمصانع والمعامل والبحوث والمواد الكيمياوية ويعجز عن فعل ذلك .
فأين المصانع التي أجرى فيها النبات بحوثه؟
وأين الخبراء ذو العلم الدقيق ليقدروا له ذلك؟!
لا إجابة علمية عقلية شرعية شافية سوى أن الخالق خلق هذا النبات، وأودع فيه علمه وقدرته، ليعلم الإنسان أن الله على كل شيء قدير.
قال الله تعالى في كتابه العزيز: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ
{62} كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)[سورة غافر].
بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى
لا أنسى منظره في بسطة جسمه ونضارة وجهه وبسمته الجميلة، وهو يقص علينا قصة النبات الذي يخدع الإنسان ثم يفترسة ويقول : يصدر النبات صوت أنين خافت وحزين وكأن إنساناً في النزع الأخير يئن ويبكي، يجري الإنسان نحو الأنين، يفتش عن صاحب الأنين ولكن لا يجده، مازال صوت الأنين مستمراً، يقترب الإنسان نحو مصدر الصوت بهدوء، إنه قريب منه يئن، يصدر الصوت من تلك الشجرة الضخمة، يقترب منها يضع أذنيه ليسمع الصوت، وفجأة ينغلق عليه الباب وهو بداخله كما يفعل المصعد الكهربائي مع الصاعد المتسرع، يفاجأ الإنسان بالمشهد المرعب والعجيب، يصرخ ولكن لا مجيب، فقد أغلقت عليه الشجرة أبوابها وأنزلت عليه الأحماض منهمرة لتشل حركته، تحتضنه الشجرة حضن الموت إلى أن تطمئن لموته، وتبدأ في تحليل جسمه ثم التغذى عليه، وبعد مدة تفتح الباب وتلقي بهيكله العظمي المفتت خارج ساقها القاتل، هكذا قال لنا أستاذنا الدكتور محمد كامل عبد المجيد طلبه، رئيس قسم الأحياء في كلية المعلمين (تربية عين شمس لاحقاً) بعدما كتب على السبورة بخطه الجميل : احترس000 نبات مفترس !!، ونحن في ذهول من العنوان العجيب، والوصف الأدبي الرائع لهذا الرجل العبقري .
وتدور الأيام وأضع صورة لضفدع قد افترسه نبات الديونيا وأكتب أسفل الصورة: عندما يفترس نبات الديونيا(Dionaea)تلك الضفدعة القافزة، فإنه يفرز عليها ثجاجاً من الأنزيمات القاتلة والمحللة، فتبدأ الضفدعة بالاستسلام والموت, ثم التحلل، وتدخل بعض مكوناتها الغذائية إلى خلايا النبات، متحولة إلى مركبات حيوية، وما ينتج عن هذه العملية من مركبات إخراجية يخرجها النبات خارج خلاياه.
وتسمى هذه العملية بالأيض (Metabolism)المشتمل على عمليتي البناء والهدم، ففي عملية البناء( Anabolism) يحول الكائن الحي المواد الغذائية إلى مكونات خلوية حية وحيوية ضرورية لنمو الكائن الحي واستمرار حياته.
أما في عملية الهدم (Catabolism)فتتحلل بعض مكونات الخلية الحية، وتخرج نواتج ذلك إلى خارج الخلية، أو تُبعد عن عمليات البناء فيها، أو تُعاد إليها مرة أخرى.
وتعمل عمليات البناء والهدم في اتزان إلهي عجيب، يحفظ على الكائن الحي حياته والاستمرار فيها، وعندما يختل هذا الاتزان الحيوي، فإن الكائن الحي يسير في طريق المرض أو الموت والفناء.
وهذه العمليات هي موضوع دراستنا في مساقي الأيض والاتزان حيا (212) وحيا(213) بإذن الله . هذا ماكتبته على الصفحة الأخيرة لكتاب الأيض والاتزان [1] للمرحلة الثانوية في مملكة البحرين [2].
وأظنني في هذا الكلامقد تأثرت بأستاذنا الدكتور محمد كامل عبد المجيد طلبه رحمه الله، وأغرب مافي الأمر أن البعض اتهم هذه الصورة للنبات والضفدع أنها مركبة، إذ كيف يتسنى لهذا النبات الضعيف أن يفترس تلك الضفدعة القوية ؟! ولكن هذه هي الحقيقة فالنبات هنا يفترس الحيوان ليتغذى على لحمه.
والنباتات المفترسة أو اللاحمه مجموعة من النباتات موطنها الأصلي جزيرة مدغشقر وأواسط آسيا واستراليا، وبعضها يباع في محلات بيع النبات والأزهار في البحرين والخليج العربي، وهي نباتات مستوردة من موطنها الأصلي أتت إلينا مع كل شيء مستورد في حياتنا، وقد أدى انتشار البرامج العلمية في بعض المحطات الفضائية إلى عرض أفلام رائعة عن تلك النباتات، ولكن يعاب على هذه البرامج أن الذين أعدوها يقيمون تصوراتهم لنشأة الحياة بأنها نشأت بالصدفة والعشوائية، لذلك يسندون كل فعل حيوي إلى الكائن الحي، وأنه طور نفسه للحياة الجديدة, من هنا رأينا أن نعيد كتابة هذه الموضوعات على أساس من عقيدتنا في الخلْق ونشأة الحياة[3].
والافتراس كما نعلم هو علاقة حيوية يجهز فيها كائن حي (مفترس) على كائن حي آخر (فريسه) ويتغذى عليه. ونحن تعودنا أن نرى الحيوان يفترس الحيوان أو الإنسان، ولكن ليس من الشائع أن نرى النبات يفترس الانسان ويقتنصه، وتعودنا أن نرى الانسان يقتنص الحيوان، والحيوان يقتنص الحيوان والانسان بآليات مختلفة، ولكن لم نتعود أن نرى النبات يقتنص الحيوان أو الانسان.
ومن العجيب أن ورقة النبات الرقيقة اللطيفة الجميلة في النبات قد هيأها الله سبحانه وتعالى مرة لتكون زهرة جميلة مختلفة الشكال والألوان[4], ويحولها مرة إلى شوكة قوية تدافع عن النبات، وإلى معلاق Tendrilيتعلق به النبات على النبات والجدران، ومرة إلى مخزن لتخزين الغذاء، وأخرى إلى معدة وجهاز قنص يقتنص ويتغذى به النبات على الحيوان، علاوة على وظيفتها المعتادة في القيام بعملية البناء الضوئيPhotosynthess بتثبيت الطاقة الضوئية، وشطر ثاني أكسيد الكربون وتثبيت كربونه، وشطر الماء وتثبيت هيدروجينه وانطلاق أكسجينه، فسبحان الخالق القادر (قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) [طه50 ].
وهذه المجموعة النباتية المفترسة تعيش في بيئات فقيرة في النيتروجين الضروري لبناء سيتوبلازمها وبروتينها، وأنزيماتها، وأغشيتها, وعضيتها, ولكن الرزاق لم ينساها, وساق إليها رزقها النيتروجيني في هذا الحيوان الذي تقتنصه وتتغذى عليه .
من هذه النباتات المفترسة :
نبات القدر أو الجرة (Nepenthes):
ويسميه البعض بنبات السلوى لاحتوائه على السوائل السكرية[5]، وفيه تتحور الورقة إلى شكل جرة أو قدر له غطاء عمقه 30سم في بعض الأنواع وعرضه 12سم بحيث يسمح بدخول الحشرات الكبيرة، وبعض الطيور الصغيرة والزواحف، وللنبات ألوان زاهية, وروائحة زكية وبداخله سائل، وكل الطرق والتراكيب تهيأت لإغراء الفريسه واقتناصها، فقمة القدر متدحرجة إلى الداخل وكل شئ يسمح بالمرور في اتجاه الداخل، ويحول دون المرور للخارج، والجدار الداخلية مغطاه بزوائد وحراشيف زلقة شمعية الملمس، وبعض الزوائد المتدلاة للداخل كالحبال الهابطة إلى الوادي من أعلى الجبل، وفي قاع القدر بعض الماء المتجمع من افرازات الورقة وماء المطر، والمخلوط بالإنزيمات الهاضمة للبروتين، والكاوية للفريسة التي تفرزها مجموعة كبيرة من الغدد الداخلية عددها ستة آلاف غدة في كل سنتيمتر مربع، وبعد سقوط الفريسة في السائل ينغلق الغطاء عليها وتبدأ عملية القتل والهضم والامتصاص والتمثيل الغذائي للفريسه .
أما نبات الفخ أو الديونيا ( Dionaea):
فقد تحور نصل الورقة إلى صمامين متمفصلين عند العرق الوسطي، وفي حوافهما أشواك متبادلة الوضع في الصمامين، وعلى السطح العلوي للورقة زوائد استشعار باللمس، فعندما تلمس الفريسة، سواء أكانت حشرة أو ضفدعة، أو عصفور صغير, أو زاحف أصغر ينطبق المفصلان في سرعة خاطفة على الفريسة كما ينطبق الفخ الحديدي الذي يضعه الصياد للطيور والحيوانات، وبذلك تقتنص الورقة الفريسة وتحبسها في الفخ وتمنعها من الهرب والحركة، ثم تغرقها بالإنزيمات والسوائل الحارقة فتقتلها وتحللها, ثم تمتص عصارتها المهضومة والمتحللة، وبعد تمام امتصاص العصارة تفتح الورقة مصراعيها ملقية بالفضلات أسفل النبات، حيث تجد البكتيريا المحللة والفطريات الهاضمة رزقها فيه, وهكذا تعاد دورة الغذاء بافتراس حيوان جديد .
صورة لنبات الديونيا Dionaea
والغريب في الأمر أن النبات يستطيع تمييز الفريسة الصالحة للهضم والامتصاص بأنزيماته الخاصة عن الفريسة غير القابلة للهضم والامتصاص، فيمسك القابلة، ويطرد غير القابلة قبل أن تموت أو يفرز عليها العصارات الهاضمة .
ولا يكتفي النبات بالمصائدالهوائية السابقة بل هناك المصائد المائية التي تصطاد الحيوانات السابحة في الماء في أكياس مثانية ( Bladders)ولكل مصيدة مثانية فتحة البواب المزودة بالملامس الاستشعارية، وعندما يلامس الحيوان تلك الملامس الاستشعارية يفتح الباب للداخل فيندفع الماء حاملاً الفريسة إلى داخل المثانة, حيث تحجز إلى أن يتم قتلها في هذا الجُب العميق وتحليلها وامتصاص عصارتها المهضومة .
ولقد حاول باحثوا نظرية التطورالبحث في هذه النباتات المفترسة عن مبررات لتطويرها ونشأتها بالصدفة والعشوائية والطفرة والانتخاب الطبيعي، ولكن جاءت محاولاتهم غير علمية ولاتصمد أمام الحقائق الكونية .
فمن حورهذه الورقة من ورقة إلى ومصيدة، وجهاز تحليل وهضم وامتصاص ( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين)لقمان
من أعلم هذه النباتات أنها تحتاج إلى النتروجين وانها في بيئة فقيرة فيه ؟! هل لها عقل يفكر، هل عندها تفكير مدبر؟!
ومن انبأهاأن هذه الحيوانات تحتوي النيتروجين الذي تفتقده في غذائها، وأنها ستموت ان لم تحصل على هذا النيتروجين؟
من أعطاها هذه الآليات المعجزة للاحساس والامساك والهضم والامتصاص؟!
ومن زودها بالإنزيمات الهاضمة للبروتين، وكل النباتات تحصل على نيتروجينها من البيئة الأرضية، فمن حول هذه النباتات إلى المصادر النتروجينية الحيوانية الحية ؟!
يقولون الصدفة؟
الصدفةتوقع الحيوان في ورقة النبات، ولكن لاتهيء النبات للامساك بالحيوان, ولاتهيء الجهاز الانزيمي للنبات لهضم الحيوان.
لو أراد الانسان تخليق انزيم لهضم البروتين لاحتاج للخبراء والمصانع والمعامل والبحوث والمواد الكيمياوية ويعجز عن فعل ذلك .
فأين المصانع التي أجرى فيها النبات بحوثه؟
وأين الخبراء ذو العلم الدقيق ليقدروا له ذلك؟!
لا إجابة علمية عقلية شرعية شافية سوى أن الخالق خلق هذا النبات، وأودع فيه علمه وقدرته، ليعلم الإنسان أن الله على كل شيء قدير.
قال الله تعالى في كتابه العزيز: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ
{62} كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)[سورة غافر].
بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى